كثيراً ما يتحدث النافذون في نظام الإنقاذ وأعضاء حزبهم والمؤلفة قلوبهم والمنتفعون والانتهازيون والطفيليون، وحتى الذين تشبثوا بآخر عربة في قطار الإنقاذ بعد انطلاقه ، بل وبعض الذين ما زالوا يهرولون بأقصى سرعة للحاق بإحدى عرباته ، عن قوة النظام القائم وهيبته وتماسكه وحمايته للبلاد والعباد، وعن الأمن والأمان الذي تفيأ ظلاله الشعب السوداني طيلة سنواته مقارنة بما كانت عليه الأوضاع أيام الديمقراطية الثالثة.
لست بصدد الدفاع عن سنوات الديمقراطية الثالثة، ولا عن رئيس وزرائها وحكومته، فرئيس الوزراء السابق وأركان دولته وأعضاء حزبه أحياء يرزقون، وهم جديرون بالدفاع عن أنفسهم، ما أريد الحديث عنه هل حقيقةً أن نظام الإنقاذ منذ استيلائه على السلطة في العام 1989م كان بمستوى الإدعاءات التي تطلق هنا وهناك، وهل استطاع النظام بالفعل أن يحفظ لنا وحدة بلادنا وسلامة أراضيها، ويشعرنا كمواطنين عاديين بالأمن والاطمئنان الذي يفترض أن توفره أي حكومة محترمة لرعاياها، أم فشل في ذلك وأدخل السودان في نطاق الدول الفاشلة في حفظ وحدة وسلامة وأمن أرضها ومواطنيها.
وقد جاء في تعريف الدولة الفاشلة هي دولة ذات حكومة مركزية ضعيفة أو غير فعالة حتى أنها لا تملك إلا القليل من السيطرة على جزء كبير من أراضيها، ومن سمات الدولة الفاشلة كما ورد في مجلة «السياسة الخارجية» الأمريكية التوتر المدني والانهيار الحكومي والانهيار الاقتصادي بهذا التعريف وهذه السمات، – على الرغم من الاختلاف بشأنها – ما هو موقع بلادنا في ظل السلطة القائمة من أن تكون دولة فاشلة أو لا تكون.
هل يستطيع المواطن السوداني البسيط الشعور بأنه آمن في ربوع السودان الذي ما عاد شاسعاً كما كنا نطلق عليه سابقاً، هل يأمن السوداني الذي وُلد ونشأ في ثغر من ثغور السودان الممتدة أن لا تنقض عليه دولة من دول الجوار علي حين غرة وتحتل أرضه وتشرده أو حتى تقتله، هل يأمن المواطن في بيته وعلى دابته وزرعه ومشفاه ودور عبادته أو حتى راجلاً في قريته أو مدينته من أن يقتال غيلة وغدراً من حيث لا يدري، أو أن يسقط عليه صاروخ أو تستهدفه طائرة بلا طيار لا يعرف على وجه الدقة الجهة التي أرسلتها.
لقد أصبحنا شعب بلا كرامة، تسلط علينا نظام لا يستطيع الدفاع عن كرامتنا أمام الأمم الأخرى، ولا يتركنا كي نحفظ ما تبقي لنا من ماء وجه، فهو متشبث بكرسي السلطة يعض عليه بالنواجذ ، كل من كانت له الجرأة من دول الجوار قويها وضعيفها، تكالب علينا واقتطع ما استطاع إليه سبيلاً من أراضي بلادنا وضمها إليه، ومن لم يرغب في ضم بعض من أراضينا، فهو يرسل جنوده لدخول البلاد والخروج منها متى ما شاءوا وكيف ما شاءوا.
وصلت بنا المهزلة لدرجة أن السلطات الإثيوبية المحتلة لأراضينا في منطقة الفشقة الكبرى والتي تبعد عن مدينة القضارف 70 كيلو متراً فقط، قامت خلال شهر مارس الماضي – بحسب جريدة الصحافة – بإلقاء القبض على سبعة من الشباب السودانيين بجرم قيامهم بالاحتطاب في أراضيهم السودانية قبل أن تحتلها أثيوبيا الشقيقة وتمنعهم من الدخول إليها، ولم يطلق سراحهم إلا في شهر أبريل؛ وذلك بعد وساطة ودخول أجاويد وستين ألف تحنيس للجانب الأثيوبي، تخيل عزيزي القارئ المحتل الأثيوبي لمنطقة الفشقة السودانية والتي تبلغ مساحتها أكثر من 250 كيلو متراً مربعاً يقتاد سبعة من شبابنا السودانيين، لا لشيء إلا لأنهم ذهبوا للاحتطاب في أراضيهم المحتلة، وحكومتنا الرشيدة لم تحرك ساكناً.
وعلى الجانب الآخر في مثلث حلايب المحتل من قبل مصر، هناك الوضع أمر وأدهى، المواطن يعاني من تضييق السلطات المصرية المحتلة، ليس هذا فحسب بل هناك جنود أسرى أو شبه أسرى في حلايب منذ احتلالها مصرياً وحتى اليوم، لم تحدثنا حكومتنا الرشيدة عنهم، ولم تسلط وسائل إعلامها الموجهة أبداً الضوء على قضيتهم وكأنهم مقطوعون من شجرة ولا عائلات لهم، ويساورني الشك في أن ملفهم قد تم طيه مثل كثير من الملفات.
وفي ديسمبر 2009م قرر مساعد رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر البجا السيد موسى محمد أحمد بحكم المسؤولية، زيارة مثلث حلايب المحتل، إلا أن سلطات الاحتلال المصري وجهت صفعة مريرة للسيد مساعد رئيس الجمهورية ولحكومته الرشيدة في الخرطوم حين منعته من الدخول وأغلقت أبواب المثلث في وجهه، وحالت بينه وبين أن يتفقد أحوال المواطنين والجنود السودانيين المحتجزين داخل المثلث منذ احتلاله، في مشهد أقل ما يمكن أن نصفه بالمهين لكرامة كل سوداني شريف، ناهيك عن أن يكون مسؤولاً كبيراً في الحكومة، حتى الآن لم نسمع شيئاً عن رد فعل الحكومة بشأن الواقعة.
دول مجاورة كانت تهاب السودان وتضع له الف حساب بموازين القوى والهيبة والمكانة ، بدأت الآن في ظل النظام القائم تستأسد علي بلادنا حتى اصبحنا مهزلة لجيراننا، وفقدت بلادنا مكانتها وسمعتها الدولية، فالحكومتان اليوغندية والتشادية -والأخيرة بصفة خاصة قبل زواج المتعة الأخير مع حكومتنا الرشيدة – كانتا ترسلان قواتهما المسلحة لملاحقة متمرديهما في أعماق بلادنا دون أي رد فعل أو حتى إدانة لحفظ ماء الوجه، كانت القوات الأوغندية تصل إلى تخوم مدينة جوبا لملاحقة فلول جيش الرب، وكانت القوات التشادية تطارد فلول التمرد التشادي في حروب كر وفر حتى أعماق دار فور دون أن تطلب إذناً من أحد أو حتى تقدم اعتذاراً، وحكومتنا الرشيدة دوماً تحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين.
وفي 20 أغسطس من عام 1998م وقبل أن يخلد سكان العاصمة إلى النوم، فإذا بثلاثة عشر صاروخ كروز من طراز توماهوك تنهال على مصنع الشفاء للأدوية بالخرطوم وتمسحه من علي وجه الأرض ، وزير دفاع حكومتنا الرشيدة كان متأخراً كعادته في مواكبة الأحداث، وحتى اليوم هو لا يعلم هل كان الهجوم بصواريخ أم بطائرات أم بتقنية لم يسمع بها سعادته بعد، بل لقد ظل هذا الهجوم الذي استباح أرضنا ومقدراتنا في طي النسيان لا تريد الإنقاذ أن يذكره أي مواطن حتى لا يتعكر صفوها.
وبعد عشرة سنوات من تدمير مصنع الشفاء للأدوية وتحديدا بعد ظهر الـ 10 مايو 2008 ، أي بعد مائة وعشرة سنوات من أخر معركة شهدتها مدينة امدرمان ( معركة كرري في العام 1898 م ) ، هاجمت قوات حركة العدل والمساواة مدينة أمدرمان ، انطلقت القوات الغازية من داخل الحدود التشادية ، قطعت مئات الكيلو مترات ، عابرة عددا من الولايات السودانية دون أن يعترض طريقها احد ، في الحقيقة لا احد كان يعلم بتحركها ، مائة وعشرة سنوات ومدينة امدرمان هانئة أمنة لم يكدر صفو أمنها رصاصة طائشة ، إلا في عهد النظام القائم ، ولولا لطف الله ومحاولة عناصر حركة العدل والمساواة عدم التعرض للمواطنين الأبرياء لكان عدد الضحايا مئات الآلاف ، ومع ذلك يجاهر البعض ويكابر بأن الإنقاذ أعادت للسودان هيبته ، وبسطت الأمن في ربوعه أو كما قال السيد نافع علي نافع الإنقاذ أعطت السودان طعمه ولونه .
لقد أصبحنا ملطشة لكل من هب ودب، من دول الجوار والمنطقة وحتى عبر البحار، هذه المرة إسرائيل وخلال أيام قليلة تستبيح أرضنا وسماءنا مرتين، تقتل مواطنين سودانيين وتدمر سياراتهم وقواربهم في البحر الأحمر، مسؤولي حكومتنا الرشيدة في حالة من فقدان التوازن والتخبط والاضطراب الذهني ، فتارة تقوم الشرطة مقام الجيش وتارة تقوم الولاية مقام الحكومة المركزية , ووزير دفاع حكومتنا الرشيدة كالعادة آخر المستيقظين من ثباته العميق ، لا يعلم هل قصفت السيارة بطائرات بدون طيار أم بهليكوبتر أم صواريخ كروز، أم هي قوات كوماندوز راجلة تم إجلاؤها بعد الحادث، وكما كنا نتوعد تشاد هذه المرة توعدنا إسرائيل بالويل والثبور، ولكن هذه المرة على لسان وزير الخارجية الذي احتفظ بحق الرد على إسرائيل في الزمان والمكان المناسبين .
بلادنا محتلة من قبل القوات الأممية، أكثر من ثلاثين ألفاً من القوات ذات القبعات الزرقاء تجوب بلادنا بمطلق الحرية، لا أحد يعترض سبيلها ودولتنا الراشدة لم تطلب يوماً -كما فعلت تشاد- إنهاء وجود هذه القوات في البلاد، لا لشيء إلا لأن أسباب احتلالها للبلاد لا تزال قائمة، نعم حكومتنا الرشيدة لم تستطع حماية مواطنيها من القتل والسلب والحرق والاغتصاب؛ لذلك ستظل هذه القوات موجودة إلى أن يتحقق الأمن للمواطن، لم يجرؤ أي أحد للحديث عن الدور السالب سياسياً واجتماعياً وأمنياً لهذه القوات والسكوت علامة الرضا.
في التاسع من يوليو القادم وبفضل سياسات حكومتنا الرشيدة سيشهد العالم ميلاد دولة جديدة من رحم سوداننا الحبيب، سيفقد السودان التاريخي 26٪ من مساحته وثلث سكانه والكثير من موارده البشرية والمادية، في زمن تتجه فيه كل الدول للوحدة والاندماج، حكومتنا القوية الرشيدة ما ضرها أن يتمزق الوطن وينبت من رحمه عشرون دويلة في سبيل أن تبقى مكنكشة في السلطة.
شئنا أم أبينا نحن نسير صوب الدولة الفاشلة أن لم نكن قد فشلنا فعلاً، فهاهي حدودنا الخارجية منتهكة من قبل القاصي والداني والتوتر المدني في كل مكان في دارفور والجنوب الذي لم يزل جزءاً من البلاد فضلاً عن جنوب كردفان والنيل الأزرق، التوتر ألاثني والقبلي في أوجه لم يترك فجاً في البلاد إلا وصل إليه، والانهيار الاقتصادي ليس في حاجة لمنجم كي يفك طلاسمه، فهو واقع لا محال بعد الانفصال، وبفضل السياسات الاقتصادية الرعناء التي أخرجتنا من دائرة الدول الزراعية إلى دائرة الدول البترولية، لنصحو فجأة ونجد أن البترول قد ذهب أدراج الرياح صوب الجنوب، ولم يبقَ من نصيبنا منه إلا خط أنابيب أصبحنا نسترحم حكومة الجنوب أن تستأجرة منا.
الأحد مايو 29, 2011 2:03 pm من طرف الصادق